فصل: سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف:

.شهر المحرم سنة 1222:

وكان ابتداء المحرم يوم الأربعاء وفيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع إلى بولاق.
وفيه وردت مكاتبات من الجهة القبلية فيها أنهم كبسوا على عرضي الألفية وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي واصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك ضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الأوقات الخمسة ثلاثة أيام آخرها الجمعة، ثم أنه مضى عدة أيام، ولم تحضر الرؤوس التي أخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك.
وفي يوم الثلاثاء سابعه، عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والأعيان وذكروا أنه لما وردت الأوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان آغا ومعه طائفة من العسكر وأرسل إلى أهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم إن كانوا يحتاجون إلى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين أرسلهم فأجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاجون إلى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فإنهم إذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والإفساد فعملوا هذه الجمعية لإثبات هذا القول ولخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب إليه التفريط.
وفي تاسعه، وردت مكاتبات مع السعاة من ثغر الإسكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الأخبار بورود مراكب الإنكليز وعدتها اثنان وأربعون مركباً فيها عشرون قطعة كباراً والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع إلى الثغر فقالوا لهم لا تمكنكم من الطلوع إلا بمرسوم سلطاني فقالوا لم يكن معنا مراسيم وإنما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة، وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالأبراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر، فقالوا لهم لم يكن معنا إذن وقد أتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا لا بد من ذلك فإما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم وأما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب بأحد الأمرين أربعة وعشرين ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك إلى مصر، فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي أعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك، ثم أجمع رأيهم على إرسال الخبر بذلك إلى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو أولى وأحق بإليهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا إلى منازلهم بعد حصة من الليل وأرسلوا تلك المكاتبة إليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك، ولما انقضت الأربعة وعشرون ساعة التي جعلها الإنكليز أجلاً بينهم وبين أهل الإسكندرية وهم في الممانعة ضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة ممن البحر فهدموا جانباً من البرج الكبير، وكذلك الأبراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الأمان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره، وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الإجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا إلى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الأمر.
وفيه حضر قنصل الفرنساوية إلى مصر وكان بالإسكندرية، فلما وردت مراكب الإنكليز انتقل إلى رشيد، فلما بلغه طلوعهم إلى البر حضر إلى مصر وذكر أنه يريد السفر إلى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر.
وفي ليلة الخميس سادس عشره، وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها أنه تحارب مع المصريين وظهر عليهم وأخذ منهم أسيوط وقبض على أنفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكاً وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت وأشاعوا أيضاً أن الإسكندرية ممتنعة على الإنكليز وأنهم طلعوا إلى رأس التين والعجمي فخرج عليهم أهل البلاد والعساكر وحاربوهم وأجلوهم عن البر ونزلوا إلى المراكب مهزومين وأحرقوا منهم مركبين وأنه وصل إليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر وأحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ولم يبق منهم إلا القليل واستمر الأمر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة أيام، ولم يأت من الإسكندرية سعاة ولا خبر صحيح.
وفيه وصل الكثير من أهالي الفيوم ودخلوا إلى مصر وهم في أسوأ حال من الشتات والعري مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن أوطانهم، ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور إلى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الإنكليز إلى ثغر إسكندرية.
وفي سابع عشره، وصل ياسين بك المذكور إلى ناحية دهشور وأرسل مكاتبة خطاباً للسيد عمر والقاضي وسعيد آغا يذكر فيها أنه لما بلغه وصول الإنكليز أخذته الحمية الإسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة أو بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له أجوبة مضمونها إن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه إلى الإسكندرية وإذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبه والذكر والشهرة الباقية فإنه لا فائدة بإقامته بالجيزة أو قليوب وخصوصاً قليوب بالبر الشرقي، وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب إلى ناحية الحلي قبل ذلك بأيام ويرجع إلى داره آخر النهار فيبيت بها، ثم يخرج في الصباح وعساكره وأوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين وأهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بأنه مسافر إلى جهة البحيرة لمحاربة الإنكليز، فلما ورد خبر مجيء ياسين بك تأخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدى إلى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الاثنين عشرينه وأقام بها وأعرض عن السفر إلى جهة البحيرة.
وفيه وردت الأخبار الصحيحة بأخذ الإسكندرية واستيلاء الإنكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الأبراج يوم الأحد صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالي البلد شروط منها أنهم لا يسكنون البيوت قهراً عن أصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولا يمتهنون المساجد ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية وأعطوا أمين آغا الحاكم أماناً على نفسه وعلى من معه من العسكر وأنوا لهم بالذهاب إلى أي محل أرادوه ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصيبه حالاً والنصف الثاني مؤجلاً ومن أراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم إلى أي جهة أراد ما عدا إسلامبول وأما العرب والشام وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لا حرج ذهاباً وإياباً ومن شروطهم التي شركوها مع أهل البلد أنهم إن احتاجوا إلى قومانيه أو مال لا يكلفون أهل الإسكندرية بشيء من ذلك وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائعها ولا يكلفون أهل الإسلام بقيام دعوى عند الإنكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الإنكليز الموجودين في الإسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر أهل الإسكندرية ولم يحصل لهم شيء من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الإنكليز ومن انضم إليهم وعدتهم على ما قيل ستة آلاف لم تأت إلى الثغر طمعاً في أخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونه للألفي على أخصامه باستدعائه لهم استنجاده بهم قبل تاريخه وسبب تأخرهم في المجيء لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير إذنه لمحافظتهم على القوانين، فلما وقعت الغرة بينهم وبينه بما تقدم، فعند ذلك انتهزوا الفرصة وأرسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة، فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلاً وقضى الله موتاً بإقليم الجيزة، وحضر الإنكليز بعد ذلك إلى الإسكندرية فوجدوه قد مات، فلم يسعهم الرجوع فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون لهم إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وأنتم جمع فلا يكون عندكم تأخير في الحضور لقضاء شغلكم فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك إن تلكأتم، فلما وصلتهم مراسلة الإنكليز تفرق رأيهم، وكان عثمان بك حسن منعزلاُ عنهم وهو يدعى الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا إليه يستدعونه فقال: إنا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والآن أختم عملي والتجئ إلى الإفرنج وأنتصر بهم على المسلمين أنا لا أفعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية أسيوط وهم المرادية والإبراهيمية والألفي والتقى معهم وانكسروا منه وقتل منهم أشخاصاً، فلما ورد عليه خبر الإنكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وأرسل إليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريباً وما كان إلا ما أراده المولى جل جلاله من تعسة الإنكليز والقطر وأهله إلا أن يشاء الله.
وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا يطلب مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم إلى الأمراء القبالي فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الإنكليز.
ثم ورد منه مكتوب آخر يذكر فيه عزمه على الرجوع إلى مصر قريباً فإن العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الإنكليز.
وفي ثالث عشرينه، ورد مكتوب من أهالي دمنهور خطاباً إلى السيد عمر النقيب مضمونه أنه لما دخلت المراكب الإنكليزية إلى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا إلى دمنهور، فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجاً شديداً وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم أكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا ولم تروا منا خلافاً، وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من أعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضاً في حروب الإنكليز، فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم وأخرج الكاشف أثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب إلى قوة من ليلته، ثم أرسل في ثاني يوم من أخذ الأثقال فهذا ما حصل أخبرناكم به وأما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الإنكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما أمكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل إلى المنوفية، وكذلك طاهر باشا الذي سافر في أثره وإسماعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالاً وخيولاً وأبقاراً وغير ذلك ومن جملة أفاعيلهم أنهم يوزعون الأغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفها وكلفها، ثم يطلبون أثمانها مضاعفة بما يضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وأمثال ذلك.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه، وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الإنكليز وصلت إلى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا إلى البلد، وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالأزقة والعطف وطيقان البيوت، فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فألقوا ما بأيديهم من الأسلحة وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين وفر طائفة إلى ناحية دمنهور، وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمأن خاطره ورجع إلى ناحية ديبي ومحلة الأمير وطلع بمن معه إلى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم وأخذ ما بقي منهم أسرى وأرسلوا السعاة إلى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكاً وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين وأسرعت المبشرون من أتباع العثمانيين وهم القواسة الأتراك بالسعي إلى بيوت الأعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب، فلما كان يوم الأحد سادس عشرينه أشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم إلى ساحل بولاق وركب أيضاً كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم، فطلعوا بهم إلى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسفرين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من بابا النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وأنتنت رائحتها وعدتها أربعة عشر رأساً والأحياء الخمسة وعشرون، ولم يزالوا سائرين بهم إلى بركة الأزبكية وضربوا عند صولهم شنكاً ومدافع وطلعوا بالأحياء مع فسيالهم إلى القلعة.
وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الإنكليز حتى مجاوري الأزهر وأمرهم بترك حضور الدروس وكذلك أمر المشايخ المدرسين بترك إلقاء الدروس.
وفيه وصل عابدين بك وعمر بك وأحمد آغا لاظ أوغلي من ناحية قبلي وأشيع وصول الباشا بعد يومين.
وفي يوم الاثنين، وصل أيضاً جملة من الرؤوس والأسرى إلى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون رأساً وثلاثة عشر أسيراً وفيهم جرحى ومات أحدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار.
وفي يوم الثلاثاء، حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك السيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الإنكليز والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم أعداء الدين والملة وقد صاروا أيضاً أخصاماً للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب أيضاً أن يكون الناس والعسكر على حال الأفة والشفقة والاتحاد ولن تمتنع العساكر عن التعرض للناس بالإيذاء، كما هو شأنهم وأن يساعدوا بعضهم بعضاً على دفع العدو، ثم تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم أن الإنكليز لا يأتون إلا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وأن الفرنساوية كانوا أعلم بأمر الحروب وأنهم لم يحفروا إلا لخندق المتصل من الباب الحديد إلى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم وإتقانهم إذ لا يمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك.
وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه إمضاء علي بك حاكم رشيد وأحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الإنكليز لما حضروا إلى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والأسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة والقصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والأسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة وإلا فلا لوم علينا بعد ذلك، وقد أخبرناكم وعرفناكم بذلك، فأرسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات إلى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك أرسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه، ركب السيد عمر النقيب والقاشي والأعيان المتقدم ذكرهم، ونزلوا إلى ماحية بولاق لترتيب أمر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي أشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والأتباع والكل بالأسلحة.
وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لإجراء الصلح بين الباشا والأمراء القبالي وذهبوا إلى دورهم وكان من خبرهم أنهم لما وصلوا إلى الباشا بناحية ملوى استأذنوه في الذهاب فيما أتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب إلى أسيوط وأودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الأمراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الأمراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الآغا ورجع الأمراء القبالي إلى ناحية بحري فعند ذلك حضر المشايخ وكتب مكاتبات إلى الأمراء وأرسلها صحبة المشايخ المذكورين إلى الأمراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما أتوا بسببه من أمر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا كم من مرة يراسلنا في الصلح، ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لأكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من إرسال الأموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط، ثم إنهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلاً عنهم بالبر الشرقي، ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره، وبعد انقضاء الحرب استعلى إلى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضاً بناحية الهو والكوم الأحمر.
وفي أثناء ذلك، ورد على الباشا خبر الإنكليز وأخذهم الإسكندرية وأرسلوا رسلهم إلى الأمراء القبالي فارتبك في أمره وأرسل إلى المشايخ يستعجلهم في إجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولا يخالفهم في شيء يطلبونه أبداً، ولما وصلتهم رسل الإنكليز اختلفت آراؤهم وأرسلوا إلى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع وتورع وقال أنا لا أنتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم إبراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي أمرائهم فاجتمعوا ثانياً بالمشايخ وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الإنكليز تخاصمت مع سلطان الإسلام وآغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم أخذ الإقليم المصري، كما فعل الفرنساوية فقالوا أنهم أتوا باستدعاء الألفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا لا تصدقوا أقوالهم في ذلك وإذا تملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لا يتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية، وأما هؤلاء الإنكليز فإنهم نصارى على دينهم ولا تخفى عداوة الأديان ولا يصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفار على المسلمين ولا الالتجاء إليهم ووعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأن الله هداهم في طفوليتهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وقد نشؤا في كفالة أسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين أظهر العلماء وقرؤوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من أعمارهم في دين الإسلام وإقامة الصلوات والحج والجهاد، ثم يفسدون أعمالهم آخر الأمر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على إخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الإسلام يتحكمون في أهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى أفندي كتخدا قاضي العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا كل ما قلتموه وأبديتموه فعلمه ولو تحققنا الأمن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا يوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم أنه يصطلح معنا وفي أثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي إلينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من يأتي من الباعة والمتسببين إلى الناحية التي نحن فيها ولا يخفاكم أنه لما أتى القبودان ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج فلم يمتثل وأرسل إلينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه، فلما تم له الأمر غدر بنا وما مراده بصلحنا إلا تأخرنا عن ذهابنا إلى الإنكليز فلا نذهب إليهم ولا نستعين بهم، وإن كان مراده يعطينا بلاداً يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا، وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين، وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا، ولم يبق لنا ما نأسف عليه أو نتحمل المذلة من أجله وقد ماتت إخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة هذه المرة هي الأخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية إلى أسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وأيضاً تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء أمر الإنكليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية وأكابر العسكر وإن شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك أبداً فانخدعوا لذلك كتبوا أجوبة ورجع بها مصطفى أفندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع إليهم ثانياً وسار الفريقان إلى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل.
وفيه، شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس وأهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض أجرة مائة رجل من الفعلة وعلى البعض أجرة خمسين وعشرين وكذلك أهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان والفؤس والقزم وآلات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير أسفل تل قلعة السبتية.
وفي يوم الخميس غايته، ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار إليه بها يذكر فيه أن الإنكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد رجعوا في هزيمتهم إلى الإسكندرية استعدوا وأحضروا إلى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضاً وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل أخبرناكم به ونرجو الإسعاف والإمداد بالرجال والجبخانه والعدة والعدد وعدم التأني وإليهما فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع إليه طائفة المغاربة وأتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد وركب في صبحها إلى كتخدا بك واستأذنه في الذهاب فلم يرض وقال حتى بأتي أفندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه.
وفيه، ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزلة هدية ولم يحج في هذا العام وذلك أنه لما وصل إلى المنزلة المذكورة أرسل الوهابي إلى عبد الله باشا أمير الحاج يقول له تأت إلا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يسصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة وكل ما كان مخالفاً للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم.